حكومة المحروسه : غَلوِّش ... تَسُد !
خبراء : المواطن المصرى هو المسؤول الأول عن تغفيله
خبراء : المواطن المصرى هو المسؤول الأول عن تغفيله
تحقيق / إيمان يحيى
أثبتت بعض دراسات الرأى العام العالمية أن الحكومات العربية تتبع حزمة من السياسات التى – تعتقد – أنها تستطيع من خلالها تثبيت نظام الحكم الخاص بها والنأى به عن الهزات التى قد تحدثها القوى المعارضه له ، ليس ذلك فحسب فقد أشارت الدراسات إلى تصدير هذه السياسات بطرق مباشرة لدول أخرى بغض النظر عن مدى مناسبتها لها من كافة النواحى مثل : سياسة الإغراق بالمشاكل الحياتية اليومية ، سياسة الإلهاء بالرياضة والنشاطات الشبابية،سياسة الإلهاء بكل مظاهر الترف واللهث وراء المال ،سياسة كمّ الأفواه ، سياسة تنفيس الرأي العام ، سياسة كبش الفداء ،سياسة الضربة الوقائية ،سياسة ركوب الموجة ، سياسة الانحناء للموجة ، سياسة قصة قميص عثمان ،سياسة الجزرة والعصا.
والحكومة فى المحروسة مشهود لها بالبراعة فى استخدام العديد من هذه السياسات وعلى رأسها ” سياسة الغلوشة” التى – وبالرغم من إنكشافها وتزايد الوعى الشعبى بكيفية وتوقيت تنفيذها- إلا أنها لاتزال تؤتى ثمارها بنفس الدرجة من النجاح فى توجيه وتحريك الرأى العام لقضايا أخرى ليست على نفس درجة الأهمية
واذا رجعنا بالماضى نستطيع رصد العشرات بل المئات من العاب واساليب النظام الحاكم فى سبيل تغييب العقول ولكننا نكتفى بان نشير الى انه فى الوقت الذى يتحدث الجميع عن ترشيح الدكتور محمد البرادعى لرئاسة الجمهورية جاءت مباراة مصر والجزائر وما تبعها من احداث بمثابة طوق نجاة لهذا النظام حتى ينسى الناس امل البرادعى ، وبعد أن هدأت سخونة احداث مبارة ام درمان بالخرطوم ، ومع انطلاق العام الجديد انجرت احداث مذبحة نجع حمادى يوم 6 يناير وما اعقبها من جدل فى الشارع المصرى اخرج الناس عن التركيز فى ابرام التوكيلات للبرادعى من اجل تعديل الدستور والترشح الى الرئاسة الى الحديث عن الكمونى والغول وهل يحمى النظام والحزب الحاكم الغول لانه والكمونى مجرد لعبة فى دائرة سياسة الغلوشة فالورق ورقهم والدفاتر دفاترهم !!!
وقد وصف تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسى لتوه الوضع فى مصر بأنه “حالة غليان مع استبعاد حدوث إنفجار” وأرجع التقرير الذى أعدته لجنتا الشئون الخارجية والأمن القومى بالمجلس، عدم حدوث الإنفجار إلى طبيعة الشعب المصرى، المعروف بقدرته على التكيف مع الأوضاع السيئة، ولا يتمرد بسهولة، عكس شعوب أمريكا اللاتينية التى تعيش نفس ظروف الشعب المصرى
يرى د. عمرو الشوبكى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أن هذه السياسة أصبحت نمط فى حياة الكثيرين ولم تعد الحكومة المصرية هى وحدها التى تتبعها وان كانت هى التى قد سنت هذه السنة وعودت المواطن المصرى على إتباعها عندما يشعر أنه فى مأزق بحيث اصبح الأمر الأكثر خطورة الآن هو إشغال هذا المواطن لنفسه بأمور فرعية تمثل له أولوية حتى وصل الأمر لإعتبار مباراة كرة قدم أكثر أهمية من الحصول على نوبل أو إجراء مصيرى تم إتخاذه ، وأكد على أن الخطورة لم تعد فى القرار الحكومى لكن فى تحول المجتمع نحو الإنغلاق على قضايا فرعية وغير مؤثرة بشكل مباشر عليه، كما أشار إلى أن الأمر مرهون بوجود مواطن يعرف أولوياته وإعلاميين مؤمنين بقضاياهم
ومن جانبه يرى جمال حشمت “القيادى الإخوانى “ان هذه سياسة تتبعها كل الأنظمة الفاسدة والمستبدة والحكومة المصرية تجيد اللعب بها ، فهى تستخدم كل الأحداث مهما كانت لصالحها وخاصة فى الأحداث ذات الطابع الخلافى مثل الأحداث الطائفية وإفتعال الأزمات مرة للتخويف ومرة للترغيب لإلهاء المجتمع عن أهم قضاياه ،بحيث لم يعد الوطن هدف بذاته ضمن أهداف التنمية فقد أصبحت الأغلبية مشغولة بالفعل بأكل عيشها وتعليم أبنائها ، فالشعب المصرى بطبيعته شعبا مسالما بشكل سلبى لا يريد أن يزج فى مشكلات من شأنها الإضرار بأمنه الشخصى فى الوقت الذى بدءت فيه الحكومة بالإعتماد على هذا العامل للعبث بمصائره بغض النظر عن حقه فى المشاركة فى إتخاذ القرار. ويعتبر حشمت المواطن المصرى هو المسئول الأول عن تغفيله
ويرى جورج إسحق “المنسق العام السابق لحركة كفاية ” أن مصر مريضة وعلى مشارف الدخول للإنعاش وذلك بسبب هذه السياسات الملتوية التى تخدم النظام نفسه مشيرا إلى أن مصر تشترك فى الأولمبياد منذ 1932 ولم يكن هناك ذلك الحجم من التغطية المراد منها سحب إهتمام الرأى العام بقضايا مصيرية ، والمسئول عن إستمرار نجاح هذه الآلية فى رأيه هو المواطن المصرى الذى لم يعد يتمسك بحقه واصبح من السهل توجيه إهتماماته بهذه البساطه وإشغاله عن معاناته ، فى ظل الدور الذى يلعبه الإعلام المصرى كأداه رئيسية يستخدمها ويتلاعب بها النظام الحاكم
أما جمال فهمى”عضو مجلس نقابة الصحفيين” فيرى أن أية دولة بوليسية كمصر تستخدم هذه السياسات فى ظل غياب المناخ الصحى والديمقراطية الحقيقية وإستبدالهم بمناخ عصابى يشغل الناس بالتوافه هو السبب وراء نجاح هذه السياسة القديمة التى أدت لوجود حالة بؤس عام تطور ليصل إلى ” بؤس عقلى “ بحيث لم يعد المواطن المصرى يملك حد أدنى من الإمكانيات العقلية ، مضيفا أن الإعلام المزيف والجهول له أثره الواضح فى مثل هذه الإشكالية حيث يساهم فى تخريب العقول والضمائر
وهنا يعترض نجاد البرعى “الناشط الحقوقى” على إلقاء المسئولية كاملة على عاتق النظام الحاكم وحده بالرغم من أنه ضلع أساسى فى ما يحدث للشعب المصرى بشكل عام ، إلا أنه يرى أنه ليس علينا أن نلمه حتى فى المشكلات الخاصة بثقافتنا ودرجة إستيعابنا وإنسياقنا وراء كل ما هو وهمى وزائف ، مشيرا إلى الضلع الثالث المساهم بشكل أكبر فى إستمرار نجاح سياسية ” الغلوشة” التى تتبعها الحكومة المصرية لأسباب عديدة متهما إياها بالسعى لزيادة نسبة الإقبال عليها سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية عن طريق الإثارة وعلى حساب قضايا مصيرية يهملها الناس بالتالى تحت ضغط التاثير الإعلامى فيتجه إهتمامها فى الإتجاه الذى تشير إليه
وهو ما أيده فيه سيد عبد العال ” أمين عام حزب التجمع “مؤكدا على أنه لم يعد هناك بديل أمام الناس سوى إشغال أنفسهم عن الهموم التى باتت كالأمراض المزمنة التى لا يجدى معها سوى المسكنات التى يزول أثرها بدورها مع الوقت ولكن النظام المصرىهامشى والعكس
على جانب آخر يرى خالد البلشى “رئيس تحرير البديل” المتوقفة عن الصدور أن الحكومة المصرية أجادت اللعب بعقل المواطن المصرى فى أكثر الأوقات حساسية وسخونة حيث لازالت تصر على اتباع سياسة الإلهاء عن القضايا الإستراتيجية بقضايا أخرى هامشية أو غير ذات أثر كما حدث عام 1995 فى القضية المخجلة التى تم توريط فنانات لهن وضعهن الفنى فيها لشغل الرأى العام وإلهاء الإعلام بوسائله المؤثره عن القضايا الأساسية وقتها وذلك ما حدث مع المطالبة بإستقلال القضاء حيث تم إشغالنا بما حدث مع المستشارين الكبيرين هشام بسطويسى و ، هشام مكى … وغيرها من المفارقات المفتعلة التى يساهم فيها الإعلام المدار وعدم إدراك الناس بقضاياهم الأساسية وكذلك الديمقراطية المزيفة والغياب التام للنخبة المؤمنة بقضاياها
فى حين يرى د. سيف الدين عبد الفتاح “أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة” أن النظم الإستبدادية لها العديد من الميكانيزمات التى تستخدمها لفرض سيطرتها على الشعوب وتوجيه الرأى العام فيها ولهذه الميكانيزمات عدة آليات منها سياسة التأزيم أو التهويل لحدث غير جلل لمجرد إلهاء المواطن عن حدث جلل حقيقى و عن مطالبته بحقوقه ومراقبة الوضع القائم التى يستخدمها، وهذه السياسات تقوم على صناعة ” حوادث الواجهة” التى تصنعها هذه الحكومات وتؤزمها ثم تتدخل القيادة لحلها لتبدو فى جانب الشعب . وأضاف أن الإعلام المملوك لهذه الحكومات دائما ما يكون أهم وأول أدواته فى هذا الصدد بالإلتفاف حول القضايا الغير مصيرية وتهويل أثرها وإحداث ضغط وضجة
