 |
| " نـضـــــال " |
لم يشهد أى من ميادين المحروسه هذا الكم من ومضات الفلاش التى حظى بها - ولا يزال - ميدان التحرير منذ الخامس والعشرين من يناير لهذا العام .. حيث تتسابق الكاميرات بشتى أنواعها بدءا بتلك الملحقه بالهواتف المحموله أو الخاصه بالتصوير للمحترفين والهواه لالتقاط الصور وتسجيل الفيديو توثيقا لهذا الحدث الفارق فى تاريخ مصر والذى لايزال التسابق فى تسجيل تطوراته ونقلها مستمرا حتى الآن ..
أحد مصادر هذه الومضات كانت كاميرا المحرر الصحفى بموقع جريدة المصرى اليوم الإلكترونى والمصور الحر" محمد جمال الدين " .. أو " نضال " كما يناديه أصدقائه وكما تعرِِّفه صفحته الشخصيه على فيسبوك وتويتر .. والذى شارك فى الثوره منذ بدايتها كشاب مصرى مثل كل الشباب المشارك ، وكذلك كمصور حر تستعين الجريده التى يعمل بها وغيرها من المجلات الأجنبيه بمواده المصوره .. . هتف ، وصرخ ، وأصيب ، وتم إعتقاله .. ولم تتوقف عدسة الكاميرا الخاصه به عن العمل حتى وهو داخل سيارة الترحيلات ...
كمصرى ثائر .. وكمصور صحفى .. يروى لنا نضال كيف شارك فى صنع الثوره المصريه الشعبيه ..
كيف كان إستعدادك ليوم 25 يناير منذ بدء الدعوه له؟ وهل إختلف عن إستعدادك لتصوير الأحداث المشابهه ؟
كان إستعدادا مختلفا عن إستعدادى لتغطية وتصوير الأحداث والإعتصامات والوقفات الإحتجاجيه التى كانت تنظمها بعض القوى السياسيه المعارضه للنظام خلال الأعوام السابقه مثل حركة 6 إبريل وكفايه وغيرها ، فقد كانت الدعوة التى تم تدشينها عن طريق الفيسبوك وغيره من وسائل الإعلام الجديده بعد أحداث الثوره التونسيه أكثر جرأه وإصرارا وأوضح من حيث الهدف الذى لم يخرج حينها عن المطالبه بتعديلات دستوريه وإلغاء قانون الطوارىء وإعادة صياغة بعض المواد التى تعيد للمواطن المصرى كرامته وشعوره الحقيقى بالعداله الإنسانيه والحريه والديمقراطيه وإقالة بعض رموز الفساد ، فلم يكن الإستعداد بتجهيز الكاميرا والتواجد فى الوقت المحدد فقط وإنما إستعداد للمشاركه ومتابعة تطور الأحداث كشاب من شباب مصر يسعى لتغييرها نحو الأفضل وليس فقط كمحرر صحفى ومصور حر ينقل الواقع كما هو ... فقد كان الوقت هو للمشاركه فى تغيير هذا الواقع كجزء من الصوره المكونه له .
كيف تعاملت قوات الأمن المركزى معك كمصور صحفى وكيف تم إعتقالك ؟
معاملة أفراد الأمن المركزى للمتظاهرين بصفه عامه كانت سيئه منذ البدايه ... ولكن كانت الأعداد غير المتوقعه لنا مربكه لهم .. لذلك لم يكن هناك إستهداف لشخص بعينه مهما كان الدور الذى يقوم به . و ما حدث معى أثناء محاولة إعتقالى قد أعتبره صدفه ساهم فيها إصرارى على إلتقاط صوره للأمن المركزى وهو يعاود إلقاء الحجاره على المتظاهرين الذين ألقوها عليهم أولا دفاعا عن أنفسهم وهو ما دفعنى لعدم التحرك مع جموع الشباب الفار من الحجاره لألتقط الصوره وأسجل فيديو . لكن منذ البدايه وأنا متخذ قرارا بعدم السماح لأى منهم بإهانتى او الإعتداء على دون رد فعل مساو ، متبعا القاعده الأناركيه التى تقول بضرورة إستخدام العنف كرد فعل ضد العنف فى إطار الدفاع عن النفس فقط ، لذلك حاولت الدفاع عن نفسى ضد إعتدائهم على بالضرب ومحاولة أخذ الكاميرا الخاصه بى وكل ما كانوا يحاولون أخذه منى بالقوه كحقيبتى التى تحمل اللاب توب ومحفظتى الشخصيه بكل مافيها من نقود وأوراق وكارنيهات ... وبالطبع لم أسلم من الإصابه إثر إلقائهم بحجر كبير علىّ أصاب ضلع أو أكثر بالقفص الصدرى وكذلك بعض الكدمات المتفرقه أثناء الإشتباك ودفاعى عن نفسى وعن متعلقاتى الشخصيه مما دفعنى للهروب إلى داخل عربة الترحيلات مع عدد كبير من الشباب المتظاهرين الذين تم إعتقالهم فيها .
كيف كان الوضع داخل سيارة الترحيلات ؟
فور صعودى لسيارة الترحيلات فوجئت بشاب ملقى على الأرض يحتضر ولم يكن أحد المعتقلين يعلم مما يعاني فأخرجت الكاميرا وقمت بتوثيق ذلك الحدث الذي سيدين يوماً ما أحد القيادات المسئولة عن ذلك، وكنا نحاول إسعافه ومناداة أفراد وظباط الشرطة من شرفة السيارة لمساعدتنا، ولكن لم يكن هناك أى إستجابه أو رد فعل، سارعت بفتح اللاب توب وجمعت أسماء الموجودين معى داخل العربة لإرسالها لأصدقائى ونشرها على فيسبوك مع كتابة إحتمالات وتوقعات بالجهه التى تقصدها العربه ليتمكنوا من الوصول إلينا ومساعدتنا للخروج، وظللت أقوم بتحديث وجهتنا وأوضاعنا حتى وصلنا لمعسكر السلام بعد حوالى أكثر من عشرين دقيقة لينتظر الشاب المصاب لعشرين دقيقه أخرى قبل إسعافه وللأسف فشلنا كذلك فى معرفة ما آل إليه وضعه حتى بعد خروجنا ... وقد قمت بتسجيل هذا الحدث داخل العربه وتم نشر الفيديو على موقع الجريدة الإلكترونى .
وكيف تم التعامل مع الكاميرا والمواد المصوره ؟
تم التحفظ على الكاميرا و اللاب توب والهاتف المحمول فور دخولنا إلى المعسكر وقد كنت متحسبا لمحاولة تدمير المواد المصوره على الكاميرا فاحتفظت بكارت الميمورى وأخفيته فى الكوتشى !! وعندما سؤلت عنه أجبت بأن الكاميرا حديثه ولا تعمل بذاكره منفصله !!! كما كان لللاب توب كلمة سر صعب الوصول إليها . وفور خروجى تسلمت كل ذلك كما سلمته لحسن الحظ.
هل كان هناك أية تجاوزات من قبل الضباط داخل المعسكر؟
لا أستطيع أن أقول أن المعامله كانت سيئه أو على الأقل داخل الزنانه التى كنت معتقل بها ... فلم يحدث أن تعرض أى منا إلى إنتهاك أو إهانه من أى نوع ، كذلك لم يتم التمييز بين المعتقلين من حيث مجرد المشاركه او القيام بمهمه صحفيه أو إعلاميه أو غيرها ، عدا أن البعض كان يوجه إلينا تحذيرات – فى شكل نصائح - بعدم معاودة المشاركه فى مثل هذه الأحداث حرصا على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا .
هل تأثرت الروح المعنويه للمعتقلين بذلك الترهيب ؟
لم يفلح ترهيبهم فى إضعاف إصرارنا على المشاركه مجددا .. بل على العكس تماما ، فقد أضربنا جميعا عن الطعام مطالبين بالإفراج عنا – وقد كان معنا من هم دون السن القانونيه – حيث كنا نعلم جميعا أن إحتجازنا غير قانونى ويتم فى مكان غير رسمى. وقد كنا متلهفين لمعاودة النزول إلى الميدان ومواصلة التظاهر . وبالفعل .. وبعد أن تم الإفراج عنا فى فجر يوم 26 .. إتفقنا على أن نلتقى مجددا بأرض الميدان صباح اليوم التالى الذى كان هادئا بالمقارنه بالأيام التى سبقته إستعدادا لجمعة الغضب فى 28 يناير .
ماذا سجلت ذاكرتك وعدسة الكاميرا الخاصه بك عن ذلك اليوم ؟
لا شك كان أقسى وأصعب أيام الثوره ، ونحن بالتأكيد لسنا بحاجه لذكر الأسباب المخزيه والمحزنه .. ، فقد تم تصعيد سقف المطالب الشعبيه بعد تجاهل الحكومه لمطالب المتظاهرين الأولى وبعد سقوط شهداء بمدينة السويس وإعتقال الكثيرين فى يوم 25 يناير ومنهم من ظل معتقلا حتى ذلك الوقت ، فأصبح المتظاهرين يهتفون بإسقاط النظام .. لتصبح بذلك " ثوره " بما تعنيه الكلمه . وقد كنت على وشك الموت لأكثر من أربع مرات فى هذا اليوم فقط بسبب حرصى على الجمع بين ضرورة مشاركتى فى صنع الحدث وضرورة نقله وتسجيله ، فقد كان يوم ملىء بالتفاصيل والأحداث المفزعه ، ففى أغلب الأوقات كانت المشاركه بإنقاذ البعض وحماية البعض الآخر ونقل الأخبار ومتابعة مايجرى تؤخرنى عن إلتقاط الصور وتسجيل ما يجرى بالكاميرا .. إلا أن الثامن والعشرين من يناير ورغم كل ذلك .. قد حظى بالنصيب الأكبر من الصور والفيديو لما حمل من أحداث كثيره متسارعه ، حتى أن البطاريه الإحتياطيه قد فرغت تماما هى الأخرى ولم يكن هناك أى سبيل لشحنها أو لشراء غيرها وكان هناك صعوبه بالغه للوصول إلى مقر الجريده .. وبعد البحث عن أحد مداخل العمارات المفتوحة فى الشوارع المتفرعه من الميدان ليمكننى الدخول والسؤال عن أى مصدر للكهرباء لمدة نصف ساعة عرضت على حارس عقار أن يساعدنى فى إعادة شحن إحداهما مقابل مبلغ من المال إلا أنه رفضه بشده قائلا : " إحنا مستنيين اليوم ده من زمان .. " .
كيف تطورت أحداث الثوره كما سيحكيها مضمون موادك المصوره منذ الخامس والعشرين ؟
بالطبع إختلف مضمون المواد المصوره كثيرا ... فمن شعارات تطالب بإصلاحات دستوريه وسياسيه وإقتصاديه وأحداث عنف قليله وخفيفه فى يوم 25بالمقارنه بما تلاها... مرورا بإنتهاكات قوات الأمن المركزى وإشتباكات ودماء وملامح طالها الغضب والحنق فى جمعة الغضب 28 يناير ... إلى هدوء ظاهرى بعد إنسحاب الشرطه ونزول الجيش فى نفس اليوم ،... ثم تطور المضمون إلى تصوير إشتباكات بين المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام والمتظاهرين المطالبين ببقائه بعد إذاعة الخطاب الأول لرئيس الجمهورية السابق ، كذلك الإشتباكات والأحداث الدمويه التى شهدها الأربعاء الدامى الذى هجم فيه بعض البلطجيه بالجمال والأحصنه وهو ماعرف بيوم موقعة الجمل فى الثانى من فبراير.. ثم إستمرار التظاهر والإصرار على رحيل النظام فى صور لشعارات مرفوعه تعلن عن رفض كل التعديلات والتغييرات والإستجابات المبدأيه المتأخره لبعض مطالب الثوره ... ثم إستمرار حدوث الإشتباكات بين مؤيدى النظام ورافضيه ، كما رصدت الكاميرا إعتداءات من بلطجية مأجورين وأعمال شغب وحرائق فى أماكن متفرقه بعد إلقاء الخطاب الثانى للرئيس السابق وتعاطف البعض معه.. حتى الحادى عشر من فبراير الذى أعلن فيه نائبه عمر سليمان تنحيه عن منصبه وتكليف القوات المسلحه بإدارة شئون البلاد الذى شهد إحتفالا بتحقيق إحدى أهم مطالب الثوره ومناقشات حول ما هو آت ... وصولا إلى الإعتصامات التى كان يقوم بها شباب الثوره وكنت أشارك بها لإقالة حكومة تسيير الأعمال الأولى وغيرها من الإعتصامات للإعلان عن موقف الشعب من بعض الأمور كذلك تطور العلاقة بين الشعب والجيش .. وغيرها من الأحداث التى لازلت أحرص على توثيقها بالصور والفيديو .

كيف تقيم أدائك كمصور فى هذا الحدث الملىء بالتفاصيل الهامه فى الوقت الذى كان يتعين عليك المشاركه فى صنعه كمواطن مصرى؟
أعتقد أننى قد قمت بدورى كمصور بشكل جيد ولكن ليس ممتاز كما كنت أرجو حيث كان الحدث أكبر وأخطر من أن تسجله الكاميرا كله ... فقد كان على كل شبر من أرض الميدان حدث وصوره يستحقان التسجيل والوقوف عندهما ، هذا بالإضافه إلى الصراع الذى كان يدور بداخلى فى كثير من الأحيان بين دورى كمصور يشارك بنقل الأحداث ودورى كمواطن مصرى عليه أن يشارك فى صنعها ككل المصريين الموجودين فى الميدان ، ولكن الحاجه العدديه وضرورة التدخل للمشاركه بفعل أو رأى أراه فى حينها صواب ومن شأنه تغيير الإتجاه نحو الأصوب والأفضل .. كانا هما الفيصل فى هذا الصراع ..
كيف ترى ثورة 25 يناير بعين المصور الصحفى الناقده والملتفته دائما لكل التفصيلات ؟
أرى أنها " ثوره أناركيه " ... حيث قامت على يد أفراد بلا قائد وبلا خطه ... أفراد لا يؤمنون بالسلطه المركزيه ولا بالسلبيه ضد العنف .. ومصرون على الوصول لأقصى حد من تنفيذ مطالبهم ... فلولا إعتقاد الشباب بهذه القاعده الأناركيه التى تقول بضرورة الدفاع عن النفس ضد العنف .. لتم قمع هذه الثوره وقتلت فى مهدها كما كان الجميع يتخيل فى البدايه .. فالجميع كان يتعامل بناء على هذه القواعد الأناركيه دون أن يدرى أكثرهم بذلك ، والدليل على ذلك هو تلك الفرص العديده التى أتيحت لهؤلاء الشباب للإنتقام وإيذاء كل من تعرض لهم بأذى ولم يلتفتون إليها ، بل العكس تماما هو ما كان يحدث .. حيث كانوا يحمونهم ضد البعض الذين حاولوا إستغلال هذه الفرص للإنتقام وإحداث عنف خارج عن إطار الدفاع عن النفس ... وهو ما حرصت على تسجيله بالكاميرا بشكل واضح .
كيف تري الوضع فى المرحلة الحالية، وما الذي يتوجب فعله من وجهة نظرك كشاب من شباب الثوره ؟
الوضع فى الفترة الحالية إلي حد ما طبيعى بالنسبه لبلد شعبه ثائر، برغم الإنفلات الأمنى وبرغم محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب من ناحية وبين الشعب والشعب من ناحية أخري، وفي هذا يعود الفضل كله للرئيس السابق وأعوانه الذين دأبوا على تكريس ثقافة الإنهزامية وإنعدام الوعى لدى المواطن المصرى ، فماذا نتوقع من مواطن حر غير واعى بالشكل الأمثل ؟!
لذلك فأنا أرى أنه فى الفتره الحاليه - شديدة الخصوصيه - يتوجب على كل ثائر مصرى حقيقى أن ينسحب من الميدان، ليس خوفاً أو تراجعاً ولكن لتجنب وإجهاض أي مخطط من الممكن أن يسبب وقيعة بين الجيش والشعب العظيمين ، كذلك أن يقوم المجلس العسكرى بوضع جدول زمنى " محترم " لتنفيذ جميع مطالب الثورة ويعلنه بوضوح كامل ويطلب من المواطنين عدم التظاهر مع التأكيد على حقهم فيه لإعطاء القيادة فرصة للبناء .. على أن تتم محاسبة المجلس عقب الفترة المحددة كجدول زمنى لتنفيذ هذه المطالب .